قوله جلّ ذكره: {لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّءْيَا بِالْحَقِّ لَتَدُخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ إِن شَآءَ اللَّهُ ءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً}.أي صدقه في رؤياه ولم يكذبه؛ صدقه فيما أره من دخول مكة {ءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} كذلك أراه لما خرج إلى الحديبية وأَخبر أصحابه. فوطَّن أصحابه نفوسهم على دخول مكة في تلك السنة. فلمَّا كان من امر الحديبية عاد إلى قلوب بعض المسلمين شيء، حتى قيل لهم لم يكن في الرؤيا دخولهم في هذا العام، ثم أَذن الله في العام القابل، فأنزل الله: {لَّقَدَ صََدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّءْيَا بِالْحَقِّ} فكان ذلك تحقيقاً لما أراه، فرؤياه صلوات الله حق؛لأن رؤيا الأنبياء حق.وكان في ذلك نوعُ امتحانٍ لهم: {فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ} أنتم من الحكمة في التأخير.وقوله: {إِن شَآءَ اللَّهُ} معناه إذا شاء الله كقوله: {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}.وقيل قالها على جهة تنبيههم إلى التأدُّب بتقديم المشيئة في خطابهم.وقيل يرجع تقديم المشيئة إلى: إن شاء الله آمنين أو غير آمنين.وقيل: يرجع تقديم المشيئة إلى دخول كلِّهم أو دخول بعضهم؛ فإنْ الدخول كان بعد سنة، ومات منهم قومٌ.قوله جلّ ذكره: {هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً}.أرسل رسولَه محمداً صلى الله عليه وسلم بالدين الحنفي، وشريعة الإسلام ليظهره على كل ما هو دين؛ فما من دينٍ لقوم إلا ومنه في أيدي المسلمين سِرُّ؛ وللإسلام العزة والغلبة عليه بالحجج والآيات. وقيل: ليظهره وقت نزول عيسى عليه السلام.وقيل: في القيامة حيث يظهر الإسلامُ على كل الأديان.وقيل: ليظهره على الدين كله بالحجة والدليل.